سورة الصافات - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {ولقد منَنَّا} أنعمنا {على موسى وهارونَ} بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية، {ونجَّيناهما وقومَهُما} بني إسرائيل، {من الكربِ العظيم} من الغرق والدهش الذي أصابهم، حين طلعت خيل فرعون عليهم، أو: من سلطان فرعون وقومه وعنتهم. {ونصرناهمْ} أي: موسى وهارون وقومهما؛ {فكانوا هم الغالبين} على فرعون وقومه. {وآتيناهما الكتابَ المستبينَ} البليغ في بيانه، وهو التوراة، {وهديناهما الصراط المستقيمَ} صراط أهل الإسلام، وهو الطريق الذي يُوصل إلى الحق، {وتركنا عليهما} الثناء الحسن {في الآخِرِين} الآتين بعدهما، {سلامٌ على موسى وهارونَ إِنَّا كذلكَ نجزي المحسنين إِنهما من عبادنا المؤمنين} الكاملين في الإيمان.
الإشارة: منّ عليهما أولاً بالخصوصية، ثم امتحنهما عليها بالكرب العظيم، كما هي عادته في أهل الخصوصية، ثم مَنَّ عليهم بالفرج ولانصر والعز، ثم هداهما إلى طريق السير إليه، في الظاهر والباطن، بإنزال الكتاب، وبيان طريق الرشد والصواب، فالطريق المستقيم هي طريق الوصول إلى الحضرة، وشهود عين التوحيد الخاص، ثم ينشر الصيت والذكر الحسن في الحياة والممات. والله تعالى أعلم.


يقول الحق جلّ جلاله: {وإِنَّ إِلياس لَمِنَ المرسلين} وهو إلياس بن ياسين بن العيزار، من سبط هارون عليه السلام. قال ابن إسحاق: لَمَّا قبض الله حزقيل النبي، عظمت الأحداث في بني إسرائيل، ونسوا عهد الله، وعبدوا الأوثان، فبعث الله إلياس، وبنو إسرائيل حينئذ متفرقون في أرض الشام، وفيهم ملوك كثيرة. وذلك أن يوشع لمَّا فتح الشام بعد موسى عليه السلام وملكها، بوّأها بني إسرائيل، وقسمها بينهم، وأحلّ سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها. ومنهم السبط الذي نشأ منهم إلياس. انظر الثعلبي. وقيل: إلياس هو إدريس. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: {وإن إدريس} موضع إلياس. والمشهور ما تقدّم.
{إِذ قال لقومه ألا تتقون} ألا تخافون الله، {أتَدْعُون بَعْلاً} هو عَلَم لصنم، كان من ذهب، وكان طوله عشرين ذراعاً، وكان له أربعة أوجه، فافتتنوا به وعظّموه، حتى أخدموه أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياءه. وكان الشيطان يُوسوس إليهم شريعة من الضلالة، وكان موضعهم يُسمى بك فركب معه وصار بعلبكّ، وهو من بلاد الشام، قلت: ويسمونه اليوم عكا، وفيه قبر صالح عليه السلام، وقيل: إن إلياس والخضر حيان، يلتقيان كل سنة بالموسم، فيأخذ كل واحد من شعر صاحبه. قيل: إن إلياس وُكِّلَ بالفيافي، والخضر وُكِّلَ بالبحار. وقيل: إن الله قطع عنه لذة المطعم والمشرب، وألبسَ الريش، وطار مع الملائكة، فصار إنسيًّا ملكيًّا، أرضيًّا سماويًّا. فهو ما زال حيًّا. فالله أعلم.
ثم قال: {وتَذَرُونَ أحسنَ الخالقين} أي: تعبدون صنماً جامداً، وتتركون عبادة الله الذي هو أحسن الخالقين. {الله رَبَّكم وربَّ آبائِكم الأولين} من نصب الثلاثة فبدل، ومن رفعها فمبتدأ وخبر. {فكذَّبوه} فسلّط الله عليهم، بعد رفعه، أو موته، عدوًّا، فقتل ملكهم وكثيراً منهم، {فإِنهم لمُحضَرونَ} في النار، وإنما أطلقه اكتفاء بالقرينة، أو: لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر. {إِلا عبادَ الله المخلَصين} من قومه، فإنهم ناجون من حضور العذاب، {وتركنا عليه} الثناء الحسن {في الآخرين}. {سلامٌ على آل ياسين} وهو إلياس وأهله؛ لأن {ياسين} اسم أبيه. وقرأ أكثر القراء: إلياسين، بكسر الهمزة ووصل اللام، أي: إلياس وقومه المؤمنين، كقولهم: الخُبَيْبون والمهَلَّبون، يعنون عبد الله بن الزبير وقومه. والمهلَّب وأتباعه. {إِنا كذلك نجزي المحسنين. إِنه من عبادنا المؤمنين} وقيل: آل ياسين هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأهله، والسياق يأباه.
الإشارة: يُؤخذ من قوله تعالى: {ألا تتقون أتدعون بعلاً...} إلخ، أن مدار التقوى هو توحيد الله، والانحياش إليه، والبُعد عن كل ما سواه، والرجوع إلى الله في كل شيء، والاعتماد عليه في كل حال. ويؤخذ من قوله: {سلام على آل ياسين} في قراءة المد، أن الرجل الصالح ينتفع به أهله وأقاربه، وهو كذلك؛ فإن عَظُمَ صلاحه تعدّت منفعته إلى جيرانه وقبيلته، فإذا كبر جاهه شفع في الوجود بأسره.


يقول الحق جلّ جلاله: {وإِنَّ لوطاً لمنَ المرسلين إِذ نجيناه} أي: واذكر إذ نجيناه {وأهلَه أجمعين إِلا عجوزاً في الغابرين} في الباقين؛ لأنها شاركتهم في عصيانهم، فحقّ عليهم العذاب مثل ما حقّ عليهم، {ثم دمرنا}: أهلكنا {الآخَرِين وإِنكم لتَمُرُّونَ عليهم مُصبحينَ} داخلين في الصباح، {وبالليلِ} أي: ومساء، أو: نهاراً وليلاً. ولعل مدينتهم الخالية كانت قريب منزل ينزل به المسافر، فيغدو منه ذهاباً، ويروح إليه إياباً، فكانت قريش تنزل به وتروح عنه في متاجرهم إلى الشام، فتشاهد آثارهم الدارسة، وديارهم الخالية. {أفلا تعقِلون} أفما فيكم عقول تعتبرون بها؟ وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام، كما ختم قصص مَن قبلهما؛ لأن الله تعالى قد سَلَّمَ على جميع المرسلين في آخر السورة، أو: تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع، من أُولي العزم.
الإشارة: ينبغي لمَن له عقل إذا مرَّ بآثار مَن سلف قبله أن يعتبر، وينظر كيف كان حالهم، وإلى ما صار إليه مآلهم، وأنه عن قريب لا حق بهم، فيتأهّب للسفر، ويتزوّد للمسير. وبالله التوفيق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7